أشعياء يعتبر من الأنبياء الكبار المتأخرين بعد داود وسليمان عليهما السلام ،
وسياق السفر كله يشير إلى تنبؤات وأحداث وتقريع بيهود ذلك الزمان في مرحلة تدمير الهيكل الأول ، وإشارات إلى رجل عظيم يكون في آخر الأيام يكون مخلصاً للثلة المؤمنة المتبقية في ذلك العهد ،
وهذه الإشارات تتضمن رمزيات كثيرة أوهمت اليهود فحافظوا على تلك النبوءات في كتبهم لأنها في ظنهم ترمز إلى المسيح ابن داود ،
وحافظ عليها النصارى لأنها برأيهم ترشد إلى عيسى عليه السلام ،
وهناك من المسلمين من أسقطها على النبي محمد عليه السلام ،
وهذا يستلزم بيان المراد من هذه النبوءات على وجه الخصوص .
وبخصوص سفر إشعياء فقد دخل عليه كغيره من الأسفار كثيراً من التلاعب خاصة في ظل الترجمات المتنوعة لنصوص العهد القديم والموجودة حالياً ، والمتناقضة فيما بينها لنفس النص ،
ونحن هنا نتحدث عن نصوص قديمة ترجمت من الآرامية والأكادية والسريانية إلى اليونانية ثم إلى اللغات الأخرى ومن ضمنها العربية ([2]) ،
وفي ظل هذا التناقض بقيت تلك النبوءة قائمة لكن مع الاحتياط الشديد في بعض نصوصها .
بداية لابد أن أوضح أن نصوص العهد القديم تحتاج إلى خبرة عالية ونفس طويل حتى يتم استخراج مكنوناتها من بين فرث ودم ،
فالتلاعب في هذه النصوص مر في مراحل متعددة فرضت نفسها على تلك النصوص بشكل حيوي ،
لكن ذلك لا يمنع بقاء آثارة من علم خاصة في موضوع النبوءات ،
ونلاحظ أن القرآن الكريم قد أشار إلى تلك البقايا في آيات كثيرة ،
بل جاءت الآيات المرشدة إلى أن القرآن الكريم جاء مصدقاً لما قبله ([3]) ،
مما يشير إلى بقايا من هذا الصدق تتوارثه الأجيال ، والنبوءة بمخلص آخر الزمان في أشعياء قد تكون من تلك البقايا .
بداية سأدخل في تحليل النبوءات في إشعياء وبيان الرابط بينها وبين الإمام المهدي في المقالات التالية بعد هذه المقالة
غصن الرب والمهدي وحجر الزاوية ( 2)
النص الأول : غصن الرب
جاء في سفر إشعياء :
(1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ،
2وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ.
3وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ،
4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ.
5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ.
6فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا.
7وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا.
8وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ.
9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ.
10وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا. )
([1])
هذه النبوءة هي معتمد اليهود على فكرة المخلص آخر الزمان ،
وقد شاء الله أن تبقى ليومنا هذا ،
حيث أنها مرمزة بطريقة عجيبة كفلت بقائها ،
فظاهرها ارتبط بداود عليه السلام ونسله كما يتصور اليهود
أو أهل الكتاب ،
والسياق كله يشير أن المقصود بها هو آخر الزمان
خاصة في مرحلة عيسى عليه السلام حيث يكون السلام في الأرض ، ويسكن الذئب مع الخروف ...
فهذه الأوصاف تكررت عندنا في السنة
كما سأوضح مما يشير إلى أنها تنتمي إلى نفس الحقبة الزمنية ،
ولعل ذكر يسي في النبوءة هو ما عزز بقائها إلى يومنا هذا ،
وهذه النبوءة تحتاج منا تفصيلاً لكي يتضح الأمر وذلك على النحو التالي .
- (1وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ ) وفي ترجمة أخرى :
وسيحمل فرع من جذوره ثمراً . )
[ إشعياء ( 11/1) ]
وهنا الرابط لمن أراد التفصيل :
http://www.ebadalrehman.com/t8730-topic
غصن الرب والمهدي 3
ملاحظة : هذا إكمال للمقالة السابقة بعنوان غصن الرب والمهدي وحجر الزاوية 2.
- (2وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ. 3وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. ) [ إشعياء ( 11/2-3)]
هذا المقطع الثاني للنبوءة ، والإشارات فيها واضحة ، ومعنى يحل عليه روح الرب ، جاء تفصيلها بثلاثة أمور : روح الحكمة والفهم ، روح المشورة والقوة ، روح المعرفة ومخافة الرب ، ثلاث أمور مفصلية شرحت مدلول روح الرب والتي يمكن أن يعبر عنها بالإلهام ، والمجدد الأعظم أولى الناس بالوصول إلى درجة التحديث والإلهام ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ ([1])
فدرجة التحديث أو الإلهام هي درجة دون النبوة والأثر السابق يشير إلى أن في الأمة محدثون ، منهم عمر رضي الله عنه ، والمهدي زبدة آل البيت وفاتح العالمية الثانية للإسلام ، ومجدد آخر الزمان أولى الناس بهذه الدرجة ، يضاف إليها الحكمة ومخافة الرب ( التقوى ) والمعرفة والفهم ، فهذه المواصفات كلها سينالها الإمام ليفتتح بها مرحلة جديدة تعتبر من أخطر مراحل البشرية وأكثرها حساسية ، بل هذه المواصفات يقتضيها العقل والتصور والمنطق في رجل آخر الزمان .
و يظهر لي من نصوص كثيرة ومن أدلة متنوعة ومن رؤى مختلفة أن المهدي سينال حظاً قوياً من الفضل والتأييدات الخاصة ؛ فهو الذي اختاره الله سبحانه وتعالى في مرحلة أعظم فتنتين على مدار التاريخ البشري ( الدهيماء والدجال ) والسنن تقتضي أن ينال تأييداً بحجم المهمة المناطة به والظروف التي يعاينها ، وتفصيل ذلك ليس محله هنا لكن للتنويه فقط .
كُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، 4بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ . ) [ إشعياء ( 11/ 3- 4) ]
هذا الجزء من النبوءة يشير إلى طريقة حكم الخليفة وقضائه ، فهو لا يتأثر بما يشاهده مما قد يحتمل خداعاً وتحايلاً والتفافاً على الحق ومخاتلة ، بل يكون ميزانه واضحاً في إقرار الحق في الأرض ، ويضع نصب عينيه المساكين والبائسين والضعفاء والمستضعفين ، فأهم شيء هو رد الحق لهؤلاء ، والعجيب في هذه النبوءة أنها أشارت إلى جانبين يتوافقان مع ما جاء عندنا في السنة النبوية ، هنا نجد العدل والإنصاف ، وفي السنة يملأ الأرض قسطاً وعدلاً .. والقسط هو ميزان كمي مبني على الإنصاف ويقابلها في الدلالة أما العدل فهو ميزان كيفي ، فالنبوءة هنا والسنة النبوية توافقتا في المدلول للمعنيين مما يشير إلى أنهما أهم ما يميز الخليفة وزمانه ، ونلحظ أن النبوءة أول ما ركزت على هذا الجانب وهو ذات التركيز في السنة النبوية ( العدل والقسط ) مما يشير إلى أن كل تلك النصوص تشير إلى ذات الحقيقة في آخر الزمان
أما مسألة المساكين والعناية بهم هنا في النبوءة فقد أشارت إليها بعض الآثار ، منها عن أبي رؤبة، قال: ( المهدي كأنما يلعق المساكين الزبد ) ([1]) وعن طاوس، قال: علامة المهدي أن يكون شديداً على العمال، جواداً بالمال، رحيماً بالمساكين. ) ([2])عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: «إِذَا كَانَ الْمَهْدِيُّ زِيدَ الْمُحْسِنُ فِي إِحْسَانِهِ، وَتِيبَ عَلَى الْمُسِيءِ مِنْ إِسَاءَتِهِ، وَهُوَ يَبْذُلُ الْمَالَ وَيَشُدُّ عَلَى الْعُمَّالِ، وَيَرْحَمُ الْمَسَاكِينَ» ([3])
فهذه الآثار هي تكرار لمضمون الرؤية بوضوح ، وشدة المهدي على العمال فصلته النبوءة بأنه لا يقضي بما بحسب ما ترى عيناه بل يقضي بالعدل .
- ( وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ. 5وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَهَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. ) [ إشعياء (11 / تكملة 4- 5 ) ]
هذه الرمزية في النبوءة لها دلالات متنوعه ؛ حيث تربطنا بالقحطاني الذي يسوق الناس بعصاه ، فالقضيب هو العصا وفي ترجمات أخرى جاء ( ويضرب الأرض بعصا فمه ) ولا أعلم هل الفم هنا مقحمة أم لها دلالات ، وهل معه عصا حقيقية أم لا ، لكن حتى عصا موسى عليه السلام كان سرها في أمر الله ، وأمر الله يجعله الله بعصا وبدونها فالأمر كله إليه .. لكن ضرب الأرض بالعصا يذكرنا بإمكانات موسى عليه السلام والتأييدات التي نالها ... ومن تتبع السنن يجد أن أشبه الناس بمرحلة المهدي هي مرحلة موسى عليه السلام ، فموسى جاء لاستنقاذ أمة مستضعفة ، وكذلك المهدي ، وفي عهد موسى يكون الطغيان واستضعاف أهل الحق بأعلى درجاته ، والظلم في أحلك صوره وكذلك في عهد المهدي التي تملأ الأرض قبله ظلماً وجوراً .. في مرحلة موسى عليه السلام كان أهل الحق لا يمتلكون أياً من أسباب القوة مقابلة بقوة فرعون .. وهذا الشأن يكون مع بداية عهد الإمام وأشارت النصوص صراحة بذلك في الأحاديث التي تشير إلى خسف جيش ... فمواصفات المرحلتين متشابهتان تماماً
غصن الرب والمهدي الجزء الخامس
- 6فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. 10وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا.) [ إشعياء ( 11/6-10) ]
هذا الجزء من النبوءة يشير إلى ثمرة جهود الخليفة والتي بدأت من الصفر حيث استشرى الظلم والجور وامتلأت الأرض منهما ، فبدأ مهمته الشاقة التي أهله الله سبحانه وتعالى لها لتأسيس العالمية الثانية على أساس الشريعة الإسلامية ومبادئها العليا كالإيمان والعدل ، إضافة إلى تأهيل الأمة التي ألفت حياة الظلم والجور ومظاهرها المتنوعة من المحسوبية والغش والاستقواء والاستغلال والطبقية الاقتصادية ، فقد ردحت الشعوب العربية والإسلامية وتشربت تلك الأخلاقيات الملتوية الفاسدة حتى النخاع بل أصبحت هي المعيار العام وما يخرج عنها هو شذوذ حسب ما فصلت بعض الأحاديث النبوية في السنوات الخداعة التي يؤتمن فيها الخائن ويخون الأمين .. وحسب ما أشار إليه سفر أشعياء في نصوص أخرى ، فالمجتمع الذي يتنفس من خلال الظلم ويراه معياراً عاماً حتماً سيرى الأمين خائناً ويطرحه المجتمع على هامشه لأنه يمثل حالة شاذة خارجة عن السياق .. ففي ظل تلك الثقافة التي تسبق مرحلة الإمام يكون نقل الأمة نحو العدل والشفافية والمساواة والحريات .. كل ذلك يحتاج إلى تأهيل خاص يقوم به الإمام بحسب ما آتاه الله من فضل يؤهله للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه .. وقد جاء في سفر أشعياء الإشارة إلى بعض جهود الإمام في ذات السياق وتفصيل آخر لهذه النبوءة ، جاء في سفر أشعياء : (2وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. 3وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ».... 4فَيَقْضِي - أي الخليفة - بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ،( وفي ترجمة مارتن لوثر ويؤنب ويدين كثيراً من الشعوب ) فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْد . ) [ إشعياء ( 2/2-4) ]
أقول :
هذا الحديث الذي اختصرت الجزء الأكبر منه يحكي مدلول النبوءتين السابقتين في أشعياء بالضبط مما يشير إلى أنه معهما يشيران إلى ذات المرحلة ، بل بنفس المواصفات الدقيقة ، ففي نبوءة أشعياء : 6فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي ) وفي حديث أبي أمامة يقابلها (وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ ، وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ حَتَّى يُدْخِلَ الْوَلِيدُ يَدَهُ فِي فِي الْحَيَّةِ فَلَا تَضُرَّهُ ، وَتُفِرَّ الْوَلِيدَةُ الْأَسَدَ فَلَا يَضُرُّهَا ، وَيَكُونَ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا )
وفي النبوءة الثانية عند أشعياء : (فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ. ) ويقابلها في حيث أبي أمامة (وَتَكُونُ الْكَلِمَةُ وَاحِدَةً فَلَا يُعْبَدُ إِلَّا اللَّهُ ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، وَتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ تُنْبِتُ نَبَاتَهَا بِعَهْدِ آدَمَ حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الْقِطْفِ مِنَ الْعِنَبِ فَيُشْبِعَهُمْ ، وَيَجْتَمِعَ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعَهُمْ ، وَيَكُونَ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ وَتَكُونَ الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُرْخِصُ الْفَرَسَ ؟ قَالَ : لَا تُرْكَبُ لِحَرْبٍ أَبَدًا قِيلَ لَهُ فَمَا يُغْلِي الثَّوْرَ؟ قَالَ : تُحْرَثُ الْأَرْضُ كُلُّهَا )
إنها نفس المواصفات كاملة وكأن حديث أبي أمامة والنبوءتين صدرتا من مشكاة واحدة ، والأنبياء أولاد علات ، أب واحد وأمهات شتى .
والشرح الحيوي للنبوءة في أشعياء ببيان المرحلة والشخوص هو في حديث أبي أمامة مما يشير صراحة إلى أن غصن الرب في نبوءة أشعياء هو المهدي
غصن الرب والمهدي الجزء السادس
.......................... المقالة السابقة : غصن الرب والمهدي الجزء الخامس
- 10وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا . ) [ إشعياء ( 11/10) ]
هذا المقطع الأخير من النبوءة الأولى التي تتحدث عن غصن الرب ، وفيها تم التأكيد على أن الفرع هو من أصول الشجرة وفي ترجمة مارتن لوثر ( وفي ذلك الوقت ينتصب فرع من جذور يسي راية للشعوب وغليه تسعى الأمم )
وسواء كلمة أصل أو كلمة جذور فهي تحمل ذات المعنى فجذور يسى أو أصله البعيد يمتد إلى إبراهيم عليه السلام من جهة الآباء ، ويمتد إلى إسماعيل في أصله القريب من جهة الأم .. وهذه الرمزية تتوافق مع تصورنا أن الخليفة هو إسماعيلي من عترة النبي محمد عليه السلام ، ولولا النبوءة بهذه الرمزية بعيداً عن التصريح لكتمها أهل الكتاب ، فعظمة تلك النبوءة هو في تلك الرمزية التي تتضح للباحث الموضوعي ، وفي ذات الوقت تحمل معنىً ظاهراً يحفظها من التلاعب والكتمان .
- جاء في سفر أشعياء : (1فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاَتٍ: «نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا. انْزِعْ عَارَنَا».2فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيل . ) [ إشعياء ( 4/1-2) ]
هذا النص ذكرته هنا لبيان أن غصن الرب يمثل نفس المرحلة المتصورة في آخر الزمان للمهدي ، فهذا الإصحاح الرابع بدأ بالإشارة إلى حال النسوة في ذلك الزمان بعدما تأكل الحروب والمصائب الرجال فيكثر النساء ويقل الرجال ، وهي ذات المرحلة التي أشبعتها تحليلاً في كتابي الموسوعة بعد الملاحم ، ويشهد لهذه النبوءة ما ورد في السنة النبوية في ذات السياق منها على سبيل المثال : عَنْ أَبِي مُوسَى t عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : } لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَطُوفُ الرَّجُلُ فِيهِ بِالصَّدَقَةِ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ لَا يَجِدُ أَحَدًا يَأْخُذُهَا مِنْهُ ، وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ . { ([1])
وفي رواية : } وَتَكْثُرَ النِّسَاءُ وَيَقِلَّ الرِّجَالُ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً الْقَيِّمُ الْوَاحِدُ { ([2])
وسواء كانت الموازنة سبع نسوة كما في النبوءة ، أو أربعين أو خمسين كما في الأحاديث فكل ذلك يشير إلى ذات المعنى عن مرحلة معينة يهلك فيها الرجال بشكل ملحوظ وتصبح أكثر نسوة ذلك الزمان بلا رجل يحميها .
يقول النووي : » وأما سبب قلة الرجال وكثرة النساء , فهو الحروب والقتال الذي يقع في آخر الزمان وتراكم الملاحم « ([3]) . ويعزز ذلك هذا الأثر الذي أورده ابن حجر عن علي بن معبد في كتاب الطاعة والمعصية من حديث حذيفة t ، وفيه : » إذا عمت الفتنة ميز الله أولياءه , حتى يتبع الرجل خمسون امرأة تقول : يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني . « ([4])
والمعنى في أثر حذيفة هو نفسه الذي أشارت له النبوءة في بداية الإصحاح ، وهو نفسه زمن الملاحم العظمى والتي يقل بعدها الرجال ففي النبوءة : «نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا. انْزِعْ عَارَنَا» وفي أثر حذيفة » تقول : يا عبد الله استرني يا عبد الله آوني . «
وقد صرحت النبوءة أن ذلك في مرحلة غصن الرب ( المهدي ) ، لذا كانت الفقرة الثانية في النبوءة والمذكرة بغصن الرب ، وبدأت : في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاء ومجداً ... أما بقية بني إسرائيل فهي من التحريف الذي يعج به العهد القديم أو هي رمزية لأمة الله في ذلك الزمان .
لكن ما يعنينا هنا أن النبوءة هنا تبرز مرحلة غصن الرب ، وهي ذاتها مرحلة المهدي ، وتضاف هذه القرينة لباقي القرائن المذكورة سابقاً .
وهذه القرائن المتنوعة الصريحة والمستبينة تجعلنا نكمل مواصفات حياة غصن الرب كما صورها سفر أشعياء .
غصن الرب ( حياته قبل ظهوره ) الجزء الأول
وهذه المواصفات تشير إلى تلك المرحلة السابقة لقيام الخليفة بمهمته العظيمة ، هي تبرز نوعية الاصطناع الذي مر به والفتون التي عايشها قبل الخلافة .
جاء في سفر أشعياء :
(1مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ 2نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. 3مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.
4لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ ( وفي ترجمة أخرى : لكن من كان يمكنه قياس قابلياته ، اقتلع من أرض الأحياء بسبب ما عانى من آثام الناس وأعطي قبراً مع الأغنياء ) . عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ.
10أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلاً تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. 11مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. 12لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ. ([1])
هذا النص كاملاً من سفر أشعياء في النسخة الموجودة لدي ، وقد تتبعت النص من نسخ متعددة مترجمة عن اللاتينية والنص العبري فوجدت اختلافات كثيرة في الألفاظ والتراكيب ، بحيث تشعر أنك تقرأ نصاً آخر ومدلولات جديدة مغايرة في كل نسخة ، وهذا سببه طريقة الترجمات والنسخ المتعددة القديمة التي تمت الترجمة منها ، لكن هنا سأعتمد النص المتاح لدي على الوورد ، مع بيان بعض الاختلافات في النسخ الأخرى مما يتيسر ويبرز المضمون الصحيح للنبوءة .
وهذه النبوءة تحكي حياة الخليفة غصن الرب قبل توليه الأمر وتبرز طبيعة الفتون والاصطناع الذي ناله في تلك المرحلة ، وسأحاول هنا لكي نستفيد من هذه النبوءة الربط بين النص والسنن الإلهية والرؤى في عصرنا بطريقة تكشف لنا أسرار هذه النبوءة التي تتحدث عن خليفة آخر الزمان .
المقطع الأول :
(1مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ 2نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. 3مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.)
هذا المقطع الأول : وفي ترجمة أخرى للنص بدأت ( لكن من يصدق ما أعلن لنا ) وهذه العبارة من أشعياء قالها متعجباً بعدما انكشفت له النبوءة عن غصن الرب ، وحياته وطبيعة اختياره ، فقال متعجباً هذه العبارات لتعجبه من أحوال الشخص الذي اختاره الله .
ثم بدأ يفصل في مدلولها ، بأن غصن الرب ( الخليفة الموعود ) قد نبت في أرض يابسة قاحلة ، وهذه الرمزية الأولى في النص ، وتشير إلى عدة مدلولات منها ، أن المنطقة التي يولد ويسكن فيها الإمام فقيرة ، وليس لها شهرة وهي أشبه بالأرض القاحلة ، والأمر الثاني : أنه نبت في منطقة كئيبة يموت فيها العلم و تذوي فيها الطاقات فهو كبذرة جيدة لكنها ليست في بيئتها المناسبة التي تكفل لها نمواً وترعرعاً مناسباً ، بل بذرة في أرض يابسة قاحلة ، وهذه البيئة عززت من عمق المعاناة عند الخليفة خلال حياته ، وزادت من ابتلاءاته المتنوعة .
أما الرمزية الثانية في النبوءة فهي تشير إلى أن الخليفة في مظهره كان بسيطاً وأقل قبولاً من غيره ، وليس من أهل النفوذ والثراء حتى يهتم به ، بل كان من عوام الناس ، بل من أقلهم قبولاً ؛ لذا وصفته النبوءة بأنه لا يهتم به أحد ولا يُلتفت إليه بالرغم من أنه سيكون بيديه مصير العالم في ذلك الوقت ومفاتيح الحياة السعيدة ، ولعل الأوصاف المتعددة للإمام هنا : مخذول من الناس ، مختقر أي ليس له شأن معتبر أو نفوذ محترم ، بل هو من عوام الناس وأقلهم ، وهو في ذات الوقت تعتريه كثير من الابتلاءات والأوجاع والأحزان ... وهذه الأوصاف للخليفة في بداية حياته يحق لأشعياء التعجب منها كل العجب ؛ أي رجل بهذه الأوصاف لا يؤبه له ومن عوام الناس ، بل من المغمورين الذين لا يهتم بهم أحد كان هو في ميزان الله الرجل الموعود والمختار من قبل الله سبحانه وتعالى ، وهذه الأوصاف للخليفة قبل الظهور تؤكد عليها السنن ، خاصة سنن الاختيار ، فطالوت عليه السلام كان مغموراً ومن عامة الناس ، وقد اختاره الله ملكاً على بني إسرائيل ، والنبي عليه السلام قد بين أنه رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ... فهذه المعاني الأولية التي تشير إليها بداية النبوءة يحتملها الواقع وتؤيدها السنن بقوة ، بل ورد في بعض الآثار أن المهدي لا يؤبه له ، أذكر أثراً هنا عن ابن الحنفية محمد بن علي رضي الله عنهم عندما سئل عن المهدي فقال : (والله ما هو أنا، ولا الذي تمدون إليه أعناقكم، ولا يعرف ولا يؤبه له. ) ([2]) فهذا الأثر يلخص كل ما سبق ، فهو رجل مغمور لا يؤبه له ولا تمد له الأعناق وليس معروفاً ... وهذه سنة الحفظ من الله ، ولعل فيها معنى رؤية فيها هاتف وخطاب للمهدي وفيه ( لأحجبنك حجاباً ترضاه ) . فيكون المقصود بنبوءة أشعياء (3مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ.) هي أنه محفوظ ومغمور ومحجوب ومستور عن المعرفة أي غير معروف للعامة ، لكن ما تضيفه النبوءة هنا أن الخليفة ستعتريه في حياته ابتلاءات كثيرة جداً فهو رجل أوجاع ( ابتلاءات صحية ) ، ومختبر الحزن ( ابتلاءات نفسية بسبب الواقع الكئيب حوله ) محتقر ومخذول من الناس ( ابتلاءات اجتماعية ) وهذا متصور في مرحلة تختل فيها الموازين يؤتمن فيها الخائن ويخون الأمين ، ويظهر أن هذا الواقع قد ألقاه على هامش المجتمع .
فإذا أضفنا إلى ذلك أن الخليفة هو بذرة مستخلصة نقية تحمل كريزما خاصة تحب الطهر وتأنف الظلم وتتألم لحال المساكين والضعفاء ، يحمل بذرة قيادية عليا ، ثم يجد نفسه لا يملك قدرة على التغيير ، بل يعيش على الهامش يلاحظ ويتأمل و الواقع حوله يزداد قتامة وظلماً وهو منزوع الصلاحيات أو القدرة على التأثير .. فهذا الوضع يضاعف الألم في أعماق قلبه بما لا يحتمله إلا أصحاب النفوس العالية جداً .
وهذا يذكرني بموسى عليه السلام الذي قدر الله له أن يخرج من مصر ثم يتحول إلى مدين وهناك أصبح غريباً راعياً للغنم ... فكريزمة قيادية كموسى عليه السلام يصعب عليها هذا التهميش ثم يجد السنوات تمر عليه يرعى الغنم ولا يملك أي قدرة على التغيير ؛ لذا وصفت هذه المرحلة بمرحلة الفتون لموسى عليه السلام فقابلياته كانت أعلى بكثير من إمكاناته المتاحة وهذا يخلق أزمة عميقة ... لكنها كانت مرحلة تدريبية لموسى عليه السلام ... ويظهر أن المهدي سيمر بذات الابتلاءات والفتون .
المقطع الثاني :
4لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ ( وفي ترجمة أخرى : لكن من كان يمكنه قياس قابلياته ، اقتلع من أرض الأحياء بسبب ما عانى من آثام الناس وأعطي قبراً مع الأغنياء ) . عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. ) [ إشعياء ( 53/4-9) ]
وهذا المقطع من النبوءة هو تفصيل وإتمام للمقطع الأول الذي يحكي حياة المهدي قبل استلامه للمهمة ، وهي مرحلة الاصطناع له ، فكان قدر الله له أن يعيش بين الناس والضعفاء والعوام بعيداً عن النفوذ والجاه ، يعيش مع المهمشين ليحي معاناتهم عن قرب ، وتنكشف له الحقائق بعيداً عن جو النفاق والتملق والزيوف التي يفرضها المركز والنفوذ والمال ، ففي هذه الأحوال يكون أقدر على التشخيص وتقدير الحلول المناسبة وكشف الألاعيب في مرحلة إقراره للعدل ، خاصة أنه أكثر من مورس في حقه الظلم ، والمظلوم يستشعر مرارة الظلم الواقع على الآخرين ... إنها حالة خاصة من التربية ليكون أدعى للقيام بالمهمة العظيمة التي كلفها الله بها وهي نقل الناس بين نقيضين : من الظلم الذي ألفوه وعاشوا لا يرون غيره دهوراً إلى العدل بأبهى صوره .. ومن الجور نحو القسط ... فهذه مهمة صعبة تحتاج إلى تجربة خاصة .
لذا جاءت النصوص هنا لتفصل في تلك التجربة الخاصة (4لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. 5وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ) أما حمله للأحزان والأوجاع فهذا إشارة إلى أنه ناله حظاً من تلك الأوجاع التي أصابت المستضعفين والمهمشين حوله ، بل ناله حظاً منها جعل البعض يظن أن ما لحقته من ابتلاءات هي عقوبة له وأن الذلة قد لحقته من الله لأسباب تخفى على الناس ... وهنا يذكرني الخليفة بتجربة النبي أيوب عليه السلام الذي عاش ذات التجربة ، حتى شك الناس بصلاحه وبعضهم قال : لو كان صالحاً لما أصابته الابتلاءات بهذا الشكل .. وهنا نفس العبارات تتكرر (وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. ) .
ثم تكمل النبوءة أن ما أصاب المهدي هو جزء مما أصاب الناس بسبب وضع المجتمع المتردي ، ويظهر أن الواقع المنكوس والقيم الهابطة التي يعج بها المجتمع قد ألقت بظلالها الكئيبة على المهدي ، فكان أحد ضحاياه الكبرى ـ وتكمل النبوءة المأساة الواقعة على المهدي (تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.) طبعاً لا تزر وازرة وزر أخرى ، فهذا هو ميزان الله ، لكن يظهر أن الإمام يعيش تجربة خاصة في مرحلة الاصطناع الرباني له ( و اصطنعتك لنفسي ) ؛ لذا عاش يذوق مرارة اثم من حوله ، ويناله ما ينالهم من تشديد .
ويظهر أن هذه المرحلة كانت من أشد المراحل على المهدي حيث الحيرة والشدائد ، ويظهر أنه كان له جهود طيبة (وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا ) ويظهر أنه كان يحمل فكراً مغايراً لكل من حوله (مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ ) فلكل طريقته التي مال بها عن الحق أما هو فلم تلبسه فتنة وكان بعيداً عن هذه الطرائق المائلة فهو إبراهيمي بكل معنى الكلمة .
كذلك النبوءة تشير إلى أنه تعرض لظلم شديد (7ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. ) أحياناً قد يغيب علينا مدلول هذه النبوءة ، وكيف أن المهدي هنا قد رضي بالظلم وأصبح كشاة تساق إلى الذبح ، لكن يظهر أن المعنى الحيوي للظلم الواقع عليه له علاقة بالظلم الاجتماعي ، وهو في مسيرته لم يكن ينتصر لمظالمه الاجتماعية الخاصة به ، وهذا أظنه من فقهه ووعيه بطبيعة المرحلة التي أشار لها النبي محمد عليه السلام مبرزاً العلاج الأنسب لتلك المرحلة ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ : } سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ تُؤَدُّونَ الْحَـقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ . { ([1])
فالأثرة وما يترتب عليها من مظالم اجتماعية قد تكون لحقت المهدي ، ووفق الإرشاد النبوي ، الصبر عليها وأداء الحق والطلب من الله الحقوق المضيعة .
فيكون المراد بالنبوءة الإشارة إلى أن المظالم الواقعة على المهدي ، تعامل معها الإمام بصبر واحتمال وعاش أثارها دون شكوى ، بل أكمل مهمته في مرحلة انتكاس الموازين وتغلب فيها السفهاء وكان أسعد الناس بها لكع ابن لكع .
لكن النبوءة لا تشير إلى ذلة المهدي أو خنوعه للظلم ، بل على صبره واحتماله على المظالم الواقعة عليه .
ويظهر أن الواقع المنكوس قد أثر عليه كثيراً ؛ وتراكمت عليه الهموم والشدائد ؛ لذا آثر في مرحلة معينة من حياته للاعتزال (وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ ( وفي ترجمة أخرى : لكن من كان يمكنه قياس قابلياته ، اقتلع من أرض الأحياء بسبب ما عانى من آثام الناس وأعطي قبراً مع الأغنياء ) . عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. ) فهذا المقطع يحكي تلك المرحلة وجاء التعبير عن العزلة (قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ ) وذلك إشارة للعزلة ، وهي محطة من محطات التربية في مرحلة الاصطناع وهي شبيهة بالمرحلة التي قدرها الله لنبي الله موسى عليه السلام حيث كانت قصة القتل ثم الهروب لمدين ، ثم تلك العزلة عن معترك الحياة الصاخب نحو رعي الأغنام عشر سنوات ترتقي فيها النفس وتزكو مع الطبيعة والموجودات المعززة للتأمل الذي يقود النفس نحو عظمة الخالق .
وهي ذات التجربة التي عاشها النبي محمد عليه السلام في خلوته في غار حراء ، ونحن عندما نتكلم عن مرحلة غار حراء قد لا نفهمها جيداً ، وإلا فهي أمر غريب جداً حتى بالنسبة للمجتمع ؛ حيث يرون رجلاً من المجتمع يخرج ليقضي أياماً من حياته في غار في جبل شاهق ، ينكفئ على نفسه ويهرب من مجتمعه .. إلى أين هناك على قمة جبل . لماذا ؟؟؟
إنها مرحلة عجيبة اختارها الله للأنبياء أولي العزم في مرحلة من مراحل حياتهم .. وحُبب لهم الأمر .. وكان فيه إرهاصات البداية للأمر العظيم .
ويظهر أن الظروف القاهرة ستسوق المهدي لتجربة جده أو قريباً من تجربة جده في مرحلة من مراحل حياته (اقتلع من أرض الأحياء بسبب ما عانى من آثام الناس ) ؛ لذا يقطع في مرحلة من حياته من أرض الأحياء كما قطع محمد عليه السلام في مرحلة من حياته من أرض مكة نحو حراء .
أما عبارة (وأعطي قبراً مع الأغنياء ) ففيها رمزية عجيبة جداً تشير إلى أن ظاهره في المجتمع أنه غني ، ويحسب مع الأغنياء وهو في الحقيقة يكون فقيراً ، ويكون أولى الناس بمدلول قوله تعالى : {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة273
فهو صاحب عفة ، بل هو أولى بها من غيره ، يحسب مع الأغنياء ويظهر من السياق أنه يعيش حالة فقر لا يدركها من حوله ، وليس المقصود بها أنه يقبر مع الأغنياء حقاً ؛ لأن النبوءة بعد ذلك تشير إلى أنه يكون له ذرية ويعيش طويلاً . لكن يظهر من سياق النبوءة أنه يحسب مع بعض الأشرار في زمانه بالرغم من أنه مغاير لهم وليس في فمه ظلم . كذلك النص من ترجمة مارتن لوثر (لكن من كان يمكنه قياس قابلياته ) فهذه العبارة تشير إلى أن الابتلاءات تكون على الإمام مركبة وعجيبة جداً وتعزز الضجر وكشف الآلام لكنه كان صابراً وعنده قابلية خاصة تؤهله على الصبر .
استكمال نبوءة إشعياء في ابتلاءات الغصن
جاء في سفر إشعياء : (4أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. 5السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. 6بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ.
7وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى. 8قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ! 9هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ. يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ.
10مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ. 11يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، الْقَادِحِينَ نَارًا، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا. فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ . ) [ إشعياء ( 50/ 4- 11) ]
هذه النبوءة ما زالت تشير إلى ابتلاءات الغصن ، وإن كان ظاهرها أنها تتكلم عن النبي إشعياء نفسه ، وهي تشير إلى أهم ما تميز به الغصن أو خليفة آخر الزمان في ظل مرحلة تميزت بانتكاسة على مستويات عدة ، وقد جاءت الإشارة إلى تلك الإنتكاسة في مواطن متعددة من إشعياء وكذلك صدر السفر الخمسين الذي منه هذا النقل ، (4أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ ) فالمهدي يكون من أهل العلم ، ويتميز عن غيره أنه صاحب قلب سؤول ، لا يشبع من العلم بل يطلبه في كل حال ، وتشير النبوءة أن هدفه من العلم هو علاج حال الأمة وإغاثة المتعبين فيها بكلماته وإرشاده ، كذلك تشير النبوءة أنه يكون صاحب فكرة وتأمل وهذا معنى يوقظ لي كل صباح أذناً .. وفي العبارة إشارة إلى فتوحات خاصة ينالها المهدي فيزداد علماً .. ... فمرحلة العلم أساسية للمصلحين ، ومرحلة التأمل من مبادئ العلم غير التقليدي الذي يناله المهدي ... لكن في النبوءة السابقة إشارة واضحة إلى أن هناك تلازماً بين أمرين في حالة المهدي : وهما اجتهاده في طلب العلم من جهة ، وفتوحات الله عليه بالإلهام خلال اجتهاده في ذات الوقت . ..
ويظهر من السياق أن الغصن أو المهدي سيكون له شأن في العلم يتميز به عن الآخرين ، ولعله نال لقب المهدي لأجل ذلك ،
(5السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ ) هذه العبارة تشير إلى أن المهدي له تجربة مطولة مع العلم ، ويظهر أن هذه التجربة كان فيها معاناة لكنه أكمل مسيرته العلمية باستسلام كامل ؛ حيث كان ينتقل من مرحلة إلى أخرى دون تراجع ، بل كان ينفعل وينساق لكل باب علمي فتحه الله عليه ، ويظهر أنها علوم متنوعة نالها المهدي ، أما ما هي طبيعة هذه العلوم .. فهذا أمر لم تفصح عنه النبوءة ولا ندري عنها شيئاً ... لكن إن كتب الله لنا حياة وعايشنا مرحلة المهدي فسنعلم حقيقة هذه العلوم التي فتحها الله عليه .
(6بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ.) يظهر من هذا النص أن المهدي في تجربته تعرض لانتقاد كثير ولشامتين كثر ، ويظهر أنه رافقت مسيرته ابتلاءات كثيرة ، لكنه صبر على تلك الابتلاءات وأكمل مسيرته ، ويظهر أن هذه المواقف السلبية التي تعرض لها كانت تؤثر فيه داخلياً لكنها لم تثنه عن مسيرته التي اختارها الله له ... (7وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى ) هذه العبارة تظهر انه كان متوكلاً على الله سبحانه وتعالى في كل شأنه ويظهر من السياق أنه كان بالنسبة لمن حوله كأنه يسبح بعكس التيار وهذا ما عمق مأساته ، لكنه بتوكله كان يشعر بالطمأنينة التي تجعله لا يخجل مما يحمله من أفكار وعلوم ومبادئ ... وفي النبوءة إشارة إلى عظيم توكله على الله سبحانه وتعالى ، ، ودللت على هذا المعنى خلال حديثي عن غصن الرب الذي يجمع بين النسبين الشريفين فيكون إبراهيمياً حتى في نسبه ، وإبراهيم الخليل كان عنواناً في التوكل على الله سبحانه وتعالى ؛ لذا أشارت النبوءة بأن المهدي في ضيقته كان يعلم بانتصاره المبدئي كما كان جده إبراهيم عليه السلام يعلم ذلك في مراغمته لقومه عندما ألقوه في النار .
(8قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ! 9هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ. يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ . ) [ إشعياء ( 50/8-9) ] هذه العبارات تشير إلى توكل المهدي في معركته ، فهو يتكلم هذه الكلمات وهو في ضيقته وضعفه وآلامه ، ينتظر فرج الله به ويراه قريباً ، ثم يظهر من النبوءة أن المهدي يعلم قوة منطقه وعظمة استقامته فيخاطب هؤلاء الشامتين أو الناتفين أو المثبطين أو الكائدين به بأنهم لا يملكون حجة في مخاصمته فهو صفحة بيضاء لا يملكون تشويهها حتى لو حاولوا ، لذا تتكرر كلمة ( الرب يعينني ) ثم يظهر أن يقينه بربه قد وصل منتهاه حيث يعلم أن كل من كاد له في النهاية سيتهاوون أمامه وسيخسرون معركتهم ، لأنه مستنده الحق ، وهم مستندهم الكيد والباطل ، يقول الله سبحانه وتعالى :{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ }الأنبياء70
هذا ما تيسر نقله ، والبحث أطول من ذلك .... والله ولي التوفيق .
Wynn Las Vegas - MapyRO
ردحذفFind hotels near Wynn Las Vegas 안양 출장마사지 and other 김제 출장안마 Las Vegas hotels. Make restaurant 전라남도 출장안마 reservations and read 수원 출장마사지 reviews. 2021 prices, photos & menus.Rooms: All 753Rooms: 밀양 출장안마 All 753